لازال للدهشة مجال!

في أحد أيام العمل، أتتني رسالة من شخص عن طريق احد مواقع التواصل الاجتماعي، بدأ بالحديث والسؤال الأول مالذي تعرفينه عن الأحساء! صمت قليلاً وقلت: انه يوجد تمور ومزارع وصديقتي من هناك. فقط (وللاسف) ردّ بحماس، ممتاز، صمت قليلاً وبعدها بدأ الحديث وأخبرني لو أود زيارة الأحساء! اجبت بحماس شديد نعم، لمَ لا؟
تمت الترتيبات وكان القانون الاول: ان لا نقرأ أي شيء عن الاحساء. قطعت بالوعد وفعلاً لم اقرأ أي شيء.
في القطار: كانت اول تجربة لي قطار الرياض والمنطقة الشرقية، وكانت المفجأة انني التقيت بشخص لطيف جداً، شارك في معرض صديقي وكان لقاءنا قبل اكثر من عام تقريباً ونحن نلتقي من جديد بعد هذه المدة في عربة القطار! وكان في المقعد الذي امامي!  وصدفة علمت ان احد الاصدقاء سيكون معي في الرحلة، توجهنا لعربة القطار وافترقنا في المقاعد، كان مقعده بالقرب من فتاة تجلس ايضاً بالقرب من عبدالمحسن. كانت الرحلة لطيفة وكانت الاحاديث جميلة ايضاً، هذه الصورة لرسمة عبدالمحسن في دفتر السفر الخاص بي:

صمت قليلاً لاستشعر كل تلك التفاصيل والرحلة وماذا عليّ ان اتعلم واكتسب، كان عبدالمحسن رفيق جيّد. 
وصلنا للهفوف، وكنت في الرحلة ابحث عن مدينة الاحساء وكيف سنذهب الى هناك، استقبلنا الفريق كانوا في قمة الحماس واللطف، وكانت الفتاة التي تجلس بالقرب معنا في الرحلة، كانت مصادفة جميلة ان نلتقي في القطار دون ان نعلم اننا سنخوض هذه التجربة سوياً. كنت كثيرة الأسئلة والفضول، كيف سنذهب للأحساء؟ هل للأحساء بحر؟ هل سنعيش في مزرعة؟ كانت قوانين الرحلة كالتالي: لنا الحق بأن نسأل أي سؤال ولهم الحق بعدم الاجابة، وحتى نجد اجابات علينا ان نسأل الناس اللذين نقابلهم في الطريق واهل البلد للبحث عن اجابة لنختلط بالناس. ان نستشعر اللحظة دون ان نصور كثيراً ونتأمل ونندهش، وفي الاخير اخبرونا انهم لن يشاركونا جدول الرحلة، سيقولون اننا سننتقل للمحطة التالية دون ان يخبرونا اين وماذا علينا ان نفعل ولا اي معلومة سنصل ونرى وكانت الدهشة تلازمنا في كل محطة!
وكانت هذه القوانين الذي زادت الرحلة جمال ومغامرة فكان المقصد هو (السياحة الصامتة) ان تندهش بالتفاصيل الصغيرة.

اليوم الاول
المحطة الأولى:
- جبل القارة:
وصلنا لمنطقة واخبرونا ان هذه هي المحطة الأولى للوهلة الأولى قلت بان هذا عبارة عن مول او متحف سنتجول به، كانت الزخارف في كل مكان وخلفه كان هناك جبل شديد الجمال، تابعنا حتى وصلنا لهذا الجبل! كان اجمل جبل لوناً وشكلاً وشعوراً دخلته في حياتي، وبقدر ماتسلقت جبال كثيرة لم أشعر من قبل بأني أود تسلق هذا الجبل والعيش فيه وتجربة العزلة به، كان هادئاً جداً، درجة الحرارة الخارجية مع الشمس متوسطة، في بداية دخولنا للجبل اختلفت درجة الحرارة واصبحت متوسطة جميلة، تابعنا الرحلة وكانت مليئة بالتجارب، التسلق وجلسات التأمل الصامتة في الظلام، التفاصيل الصغيرة والضوء وتخلخل الشمس كانت احد المعجزات الصغيرة التي عشتها، شعرت لوهلة ان جسدي يتقشعر من المكان وعظمته ، في هذا الرابط معلومات عن جبل قارة:



- ارض الحضارات:
انتهينا من جبل قارة وكان محمد يخبرنا طول الوقت (لازال للدهشة مجال) بعد الاندهاش الكبير الذي عشناه في هذه المنطقة وهذا المكان ماذا بعد؟ هذا شعور العام. سعدت كثيراً بوجود مثل هذه الأثار والاماكن للزيارة وكي يأتي اليها الأشخاص من كل مكان، السعودية فيها الكثير من الأثار والأشياء العظيمة جداً والقصص والأماكن.







المحطة الثانية - فندق الكوت التراثي:
بعد ان انتهينا من ارض الحضارات، سألنا محمد: هل لديكم مشكلة بالسكن في بيت شعبي؟ كانت اجباتنا الحماسية: اكييد، كانت هذه احد الامنيات ان نسكن في منزل شعبي وتراثي، في الطريق نحو المنزل ومكان السكن اخبرونا اننا سوف نتناول الغداء ان امكن (الأكل الحساوي) تحمسنا كثيراً للأكل بعد هذه الرحلة الطويلة، في طريقنا للمكان دخلنا مكان شعبي في قمة الجمال والاناقة، بدأت تساؤلاتنا وكانت الاجابة، هذا مقر سكنكم! كانت اثار الدهشة في وجهنا وكيف سوف نسكن هنا! تعرفنا على المكان وأصله وتاريخه، الكوت يعتبر أول فندق تراثي في منطقة الأحساء. أكثر مايميز الفندق أنك تشعر انك في منزل تراثي فعلاً، وان الغرف مصممة لخدمة هذا الشعور، وحتى السقف كان من سعف النخل.

Image result for ‫الكوت التراثي‬‎


للمزيد عن الفندق:
http://alkootheritage.com/

بعد هذه التجربة اخذنا محمد للراحة قليلاً ومن جديد اخبرنا (لازال للدهشة مجال) ولازلنا في حيرة وتساؤل مالذي بقي بعد هذا؟ زاد فضولنا عن المزيد وما هي المحطة التالية، الراحة ساعدتنا باستعادة طاقتنا لاكمال اليوم الذي لن ينتهي بعد...

المحطة الثالثة:
جواثا/
توجهنا لمكان وكأنه مدينة الالعاب، كانت كبيرة جداً، مدينة جواثا كانت مدينة سياحية تنتظر زيارتنا، دخلنا وكان الجو كان لطيف جداً، الكثير من العائلات والأطفال والأسواق الشعبية ودمج روائح الأكل والمخبوزات والعطور أيضاً. ومحمد يكرر (لازال للدهشة مجال)!

Image result for ‫جواثا‬‎


السوق الشعبي/
توجهنا للسوق الشعبي والمتاحف وأيضاً المقاهي، تناولنا من لقمة حساوية سندوتشات الكبدة والدجاج وكانت لذيذة جداً، بعد ذلك زرنا متحف وقابلنا العم شايب من الكويت وقرأ لي قصيدة جميلة، وتجمع الناس ليسمعوا حكاياته وقصصه والاطفال ليتصوروا معه، كان الجو لطيف، صوت فيروز يتردد في الخلفية والناس سعيدة ومتعايشة، الاختلاف جميل هنا. الناس ولتفاصيل والمشاعر الصغيرة التي شعرنا بها بعد كل شيء.





نادي الطيران الشراعي/
تركنا السوق وتوجهنا نحو المفاجئة ونحن نسير نرى الدبابات والأحصنة والأطفال وبعد ذلك وقفنا عند مكان كبير وهناك الكثير من الطائرات، صمت قليلاً وفي صوت واحد، حنجرب نطير؟ كانت ردة فعلهم الضحك وقالوا (حنشوف الحسا اليوم من فوق) لحظة صمت ودهشة وفرحة وخليط غريب، كيف؟ لمَ ولأجل ماذا؟؟؟ تعرفنا على رئيس النادي أ.صادق حبران، وبعدها بدأ بالتعريف عن نفسه وعن النادي والذي يفعله . كان رجلاً في قمة الأدب والخلق واللطف، شاركنا معلومات حول انواع الطيران وطرقه وتفاصيل آخرى، وحان وقت التجربة... ومحمد يكرر (لازال للدهشة مجال)!



المحطة الرابعة :
جلسة فنّ وشعر/
تابعنا المسير وأخبرنا أنه بقي محطة أخيرة قبل العشاء، كانت مجموعة من الفنانين، الرسامين والشعراء الحساوين، كانت الجلسة تعارف وسماع الأشعار من عبداللطيف بن يوسف، ومن ثم غناء أكرم المطر، ومشاهدة لوحات مريم بوخمسين وفلسفاتها في الحياة، وقصة الفندق الذي نسكن فيه، كانت جلسة مليئة بالمعنى والإثراء والعلم وحبّ الأحساء، وربما هذا الذي شعرته وعشته بين الناس هناك، أن حبهم وعطائهم للأحساء لا متناهي!

اليوم الثاني:
استيقظت بقوة جديدة، انتظر ان يمضي الوقت بالمزيد من الحكايا والقصص، الكثير من الأشخاص الجدد، كونب لا اعلم ما الذي سوف أفعله اليوم أعطاني دافعاً كبيراً للتسليم والثقة، الثقة بمن استضافونا في مدينتهم، الثقة بمن معي بأننا سوف نكون رفاق سفر جيدين، بأن اليوم هو اليوم الموعود والعودة للديارنا، ماهي الديار عند الرحّل؟!

المحطة الاولى:
- فطور في مقهى السيد/
بعد وصولنا للسوق الشعبي استمر السير نحو مقهئ السيد، كان مقهى شعبي جميل جداً، فيه الكثير من العبارات والتحف الآثرية ورائحة الأكل اللذيذ. كنت استغرب من أننا فقط فتاتان في مقهى (رجالي) ولكن لم يكن الأمر غريباً وكأنهم معتادين على الأمر، لم نواجه نظرات غريبة ولا حتى اسئلة أو اي شيء مزعج وهذا الذي زاد حيرتي! كيف؟ هل نحن في السعودية؟ منذ متى؟ ومن ثم اخبرني الفريق عن التعايش الذي يعيشه أهل الأحساء رغم اختلاف المذاهب وغيره! الأحساء جميلة وروحي مندهشة بكل هذه التفاصيل. تناولنا الفطور التلقيدي وبلاليط وكان الطعم ألذ من الشكل. ثم تابعنا المسيرة...





- السوق الشعبي/
بعد الفطور اللذيذ بدأنا نتجول حول المنطقة ونرى الأماكن ونسير في الطرقات، تذكرت حينها مقولة إبراهيم نصر الله في كتابة السيرة الطائرة "كل مدينة لم أتهاوَ على مقاعدها الرصيفية لا أستطيع القول إنني عرفتها"! إن المدن التي لم نزرها، ولم نعش كأهلها ونضيع فيها، ونكتشف ذواتنا بين جدرانها، وأناقتها وتاريخها وأشخاصها لا نستطيع القول بأننا نعرفها، إن للمدن طوابع وأشياء كثيرة جداً مختلفة، ففي كل مدينة جديدة نحاول أن نكتشف شيئاً جديداً. في كل شارع هناك مسجد مختلف، أشخاص مختلفين، لهجة مختلفة وكم كانت اللهجات أحد الأغاني التي كنت اسمعها والناس تتحدث!






انتهينا من المدينة والسوق الشعبي وتوجهنا لمكان جديد ومحطة جديدة وغلبني النوم في السيارة كالعادة وحتى وصلنا بدأت استيقظ، على كل حال لم أكن أعرف إلى أين متوجهين وأثق انها ستكون مغامرة جديدة عظيمة.

المحطة الثانية - فريق سفاري الأحساء:
وصلنا إلى منطقة ألعاب، كان فيها الكثير من الحياة، الأحساء فوق أنها منقطة جميلة وتأسرك بطبيعتها، أيضاً نظيفة ويأسرك وعي الناس بهذا الأمر، اعتقد انك لو احببت شيئاً تود أن تراه انت أولاً في أحسن صورة، أهل الأحساء حسنهم للأحساء وصل لزوار الأحساء، كان الأطفال يلعبون وكان المكان مفعم بالصباح والحيوية والجمال...



- تطعيس!!!
بدأنا نتوزع في السيارات استعداداً للرحلة، لم يتم اخبارنا إلى أين سنذهب، أتى شخص وأخبرنا أنه سأخبركم لتستعدوا نفسياً نحن سنذهب إلى مكان محظور! بدأت عصاير بطني تضحك، صمت وقلت أنه لا توجد لدينا مشاكل ونحن مستعدين للمعلوم والمجهول، في الطريق مررنا برمال وشاهدنا الرمال المتحركة والكثير من الحياة الفطرية البرية خارج المدينة، بدأت السيارات تصعد فوق الرمال وبدأ التطعيس كما يسمونه! كان الأمر عبارة عن مدينة الملاهي ولكن بشكل مختلف وكان شعور (ر ه ي ب) اعتذر عن كل من قلت لهم ان التطعيس مضيعة للوقت، كان ممتع جددداً وتجربة جميلة وفيها مواجهات كثيرة وتحديثات وثقة بالسائق! تابعنا المسير ولا زلنا لا نعلم إلى أين ذاهبين فعلاً، حتى قرب المكان وأخبرنا شخص أننا وصلنا للبحيرة!!!!



زيارة بحيرة الأصفر/
وصلنا إلى مكان شديد الجمال، الكثير من الرمال البيضاء وتدرجات ألوان أخرى، السور المهاجرة، الشمس والسحب والهواء العليل، وصلنا وأخبرونا أن هذا المكان الذي وددنا أن نأتيه منذ البداية، وهذا الذي سيتحق المشاهدة ولا أحد يصدق أن هذا المكان موجود في الأحساء، كانت لحظة دهشة عظيمة أن نرى كل هذه التفاصيل، ان نعيشها ونعيش معها.


البحيرة كانت تتحدث على الأقل كنت اعتقد ذلك وأخاطبها بطريقتي أو الطريقة التي كنت أشاهدها بها كانت مختلفة، التأمل حولها والجري في تلك الرمال والسقوط من جديد، التأمل والتدبر وتعظيم الأشياء الصغيرة التي حولنا، لحظة امتنان عطيمة لهذه الرحلة، تابعت سماع الأصوات والحكايا تارة وسماع العصافير والهواء تارة آخرى، اخبرنا محمد ان هذه آخر دهشة لليوم!



 في الواقع بقدر ما أدهشتنا الأحساء الدهشة كانوا أهل الأحساء بعينهم ولطفهم ووجودهم وكرمهم وعطائهم والذي قدموها لنا! المدن جميلة لأنها تتشكل بجمال سكانها، الأحساء جميلة لأنها تشكلت بطباع أهلها وسكانها وزوارها أيضاً، الأحساء تركت الكثير من الدهشة في قلبي والكثير من اللطف والود، الأحساء! وأود أن أكتب عنها المزيد والمزيد والمزيد...

تركنا البحيرة، التقطنا الكثير من الصور، عدنا من جديد للمدينة وكانت هذه العودة لنودع الأماكن والشوارع والناس والمزارع، عدنا والعود أحمد، عدنا والعود كان من الأحساء، تناولنا الغداء الحساوي والأطباق اللذيذة!


لم يتبقى الكثير حتى رحلة العودة، لم يتبقى الكثير، لازال الفريق مستمر بالتصوير والحديث بشغف، لازلنا مستمتعين بسماع لهجتهم وقصصهم، لازلنا نودّ أن نكون فعلاً هنا، صمتّ قليلاً أهيء نفسي للوداع وأنني سأرحل، لم يكن سهلاً ابداً، كانت اجمل يومين قضيتها، أكثر يومين تعلقت روحي بهذه التجربة وهؤلاء الأشخاص، الأحساء كانت فرحة، ولم اجد على قدر من الفرح في قلبي كما زرتها، كانت فرحتي. وقليل من الناس نجدهم "راحة" لتعبنا، ولم اتوقع في احد الايام ان يكون أهل الأحساء راحتي من التعب. وفي تلك الظروف الصعبة واللحظات العظيمة نجد الاصدقاء نؤمن ان بسببهم الحياة تستحق والخير ينتشر هم اولئك اللذين نجعلهم فوق أنفسنا لا لشيء سوى انهم يستحقون ذلك، الاحساء الخضرة ومن فيها فوق نفسي .




غدير ستبقى منكم وإليكم في الضراء والسراء، اصدِقكم واصدّقكم ماحييت.

شكر كبير الجهات اللي قدمت للمشروع الرعاية وسهلت تنفيذه :
- مكتب الفوخرية للرحلات السياحية
https://www.instagram.com/fokharia/
- فندق الكوت التراثي
- مؤسسة سين جراف لمعدات التصوير
- مصنع الامين للتمور

الاصدقاء والنخيل بكل مكان في الاحساء

تمّت.

٢ ديسمبر / سنة الدهشة.


تعليقات

  1. وكم كانت اللهجات أحد الأغاني التي كنت اسمعها والناس تتحدث!

    أبدعتي 😍👏🏼

    ردحذف

إرسال تعليق