أيها الجُرم البشري

منذ بضعة أيام طُلب مني تعبئة استبيان في أحد البرامج التي شاركت فيها مسبقاً, استبيان بسيط فيه بعض الأسئلة الشخصية مبتدأه بالاسم ومختتمة بالهدف, وكعادتي أُجيب بكل حماس حتى توقفت وهلة عند بعض الاسئلة التي وعند نظرتي الأولى لها أدركت أن هذه الاسئلة هي التي سأجيب عليها بكل جدارة وكل حماس لِمَ أحمله في جعبتي من إجابات لها, حتى أتيتُ عندها ووقفت عاجزة لا أعلم شيئاً ولا أتذكر حتى ماذا عليّ أن أكتب ولأكون أكثر شفافية وصدقاً دخلت محرك البحث (قوقل) لأجد طريقة سليمة للإجابة عنها, كانت أحد هذه الاسئلة السؤال الذي أنسأله منذ الصغر (ما هو هدفك في الحياة؟) وكنت أجيب بجواب سؤال آخر (أود أن أكون عالمة أثار) رغم أن هذا الرد مناسب أكثر للسؤال المتداول أكثر (ماذا تودّي أن تصبحي حين تكبرين؟) وفي مسيرة حياتي في كل سنة أود أن أصبح مهنةً ما حين أكبر وأحقق هدفاً ما وكأني أملك في يدي 1000 عام من العمر لأحققها جميعها, كبرت وعجزت أن أجد أجوبة لهذه الأسئلة المتكررة وعجزت أن أرى الهدف الذي أود أن ابنيه أو الشخص الذي أود أن أكونه, حتى وقفت وقفةً حازمة مع نفسي لأرى في سابق عهدي ماذا كنت أقول وماذا كنت أود أن أصبح, لأضحك كثيراً على تلك الأهداف وتلك الأماني وأبكي كثيراً لأني لم أحقق ولا واحدةً منها, فلستُ بعالمة أثار, ولستُ بمدربة رياضة ولا حتى طبيبة أسنان, ولست بمهندسة ولا حتى عالمة فيزياء والغريب في الأمر أنني لا أدري ماهيّة نفسي وما أود أن أكونه ومن الشخص الذي أود أن أصيره في المستقبل الذي أعيشه الآن منذ الأزل, ها أنا اعترف بهذا وأنكر كل المسميات التي سميتُ نفسي بها مسبقاً فلستُ بكاتبة رغم هذه الأسطر وهذه المدونة, ولستُ طبّاخة رغم الأشياء البسيطة التي أصنعها, ولست برسامة رغم اللوحات التي أملكها ورغم حساب الرسم الخاص بي في انستقرام, ولست بمترجمة رغم اللغات التي أُتقنها, ولا أعلم كيف عشت 19 عاماً واملك أهدافً مزيفة كالسراب لا حقيقة لها ولا روح فيها تحجب عني نور الحقّ والصواب وتخلق لي طريقاً آخر بعيداً كل البعد عن حقيقتي ومسيرتي, ورغم هذا سعيدة لأني أقرّ في قرارة نفسي وفي داخلها أن كل دقيقة عشتها بهدفٍ ما كانت لغرض العيش أولاً ولشيء آخر لا أعلمه بعد ثانياً, وسعيدة لأنني أدركت أن الهدف الذي استحق ان اعيشه كاملاً هو نفسي والبحث عن نفسي وعن ماهيتها وجوهرها وحقيقتها ورؤيتها ورسالتها وأكوِّنها وأكونها وأُعمر الأرض بنفسي وما املك من قدرات وما عندي من طاقة وامكانيات ما استطعت لذلك سبيلا وأرى في نفسي كل شيء في هذا الكون, فكيف أضع نفسي في إطار المهنة أو الهدف ليكون هو الهدف السامي في الحياة الذي أتنفس كل ربع من الثانية لأجل تحقيقه؟ وكيف أحسب أن العالم الكبير الفسيح الذي خُلق لي من أجل هذا الهدف البسيط وهذه المهنة المتداولة؟ وماذا أفعل بعد أن أحققه وأصبحه وأعيشه؟ هل علي متابعة بناء سلسلة الأهداف والحصول على عدد أكبر من المناصب وأفخر بأكبر عدد من الأهداف والانجازات التي حققتها لأُعلّق تلك الأوسمة المعدنية في حائط غرفتي؟ كيف أحسب نفسي جُرماً صغيراً والكون كله بما فيه سُخّر لي وانطوى بداخلي؟ فمن لا يَعْرِفُ نفسه ويُعّرِفُها يفقدها, فكلما رأيتُ نفسي رأيتُ الله فيني ورأيتُ قدرته وعجائب خلقه ورأيتُ الحياة, فأنني أحيى في هذه الحياة وأعيش فيها وأنا مليئة بها مكتفية منها اسعَ لها ما استطعت سبيلاً وأرى في نفسي خالقي العظيم الذي به وله ولأجله أكون.

تعليقات