كيف تملئ يومك؟



عندما عدتُ من الرحلة الأخيرة كنت بين خيارات عدّة، بين ان اتحلطم وانتظر الرحلة الثانية، أو أن تستمر الحياة كما كانت واعتبر سفرتي عبارة عن تغيير للأجواء فقط! أو أن اصنع البيئة التي جعلتني سعيدة في رحلتي وأسعد فعلاً في يومي بالموجود والمتوفر لدّي دون تكلّف أو عناء وأرى الخير الكثير الذي لديّ والذي استطيع فعله. أود مشاركة الأشياء البسيطة التي تصنع يومي خلال الـ٢٤ ساعة. وبقدر إماني وقناعتي أن ٢٤ ساعة تكفي لفعل الكثير فعلاً، تكفي للعمل، للنوم، للأكل، الطبخ، الكتابة والقراءة وممارسة هواية أفضلها، وللخروج والمشي والحركة والحديث مع الأهل والأصدقاء. أوقات نشعر أن الوقت ضيق لاننا في عجلة الأمر ونودّ أن ننتهي من كل شيء بسرعة، ولكن عندما نضع في حسباننا أن الوقت كافي فعلاً ونملكه ونستطيع فعل كل شيء دون ضرر ودون ان يطول الأمر.

الأمر يبدأ من تنظيم الوقت وترتيب الأولويات، وجود قائمة يومية بالمهام اليومية تساعدك وترتب أفكارك وتعلّمك قدر المهام والوقت الذي لديك، كتابة كل خطوة في اليوم منذ الصباح وحتى وقت النوم، من باب الإنجازوأضيف في هذه القائمة حتى الأشخاص الذين أحادثهم، والهوايات التي سأمارسها اليوم، الشيء الذي قد يهمني في هذه القائمة هو:
١- ترتيب المهام والأفكار
٢- املئ يومي
٣- اعطِ كل ذي حقّ حقه في اليوم.
٤- احاول تغطية جوانب الحياة بقدر ماستطيع: الروحي، الاجتماعي، الصحي، المهني، الثقافي، الترفيهي...

قبل البدء من المهم معرفة نمط شخصيتك وما يناسبك، وهل انت شخص حركي ان شخص اجتماعي او منطوي، والفكرة الاهم هو ماهي الشخصية التي تودّ ان تبنيها كل يوم؟ ماهي الصفات التي تود اكتسابها والعادات وكذلك! عززّ هذه الأمور في تفاصيل يومك، فالأيام هي من تصنع الأشخاص، هل تودّ ان تكون الشخص الكسول! الشخص الحيوي! الشخص الذي يعيش كل يوم بيومه! الذي يخطط! مالذي تودّه فعلاً؟
معرفة نمط حياتك وشخصيتك يساعدك على تكوين نمط حياة يشبهك ويساعدك على تحقيق أهدافك القريبة والبعيدة، أحياناً تعتقد انك تملك صفة معينة وتكتشف انك تعتقد واعتقادك غير صحيح، لذلك معرفة شخصيتك الحقيقة أمر مهم لك قبل أي شيء آخر. والنمط يتم بناءه وفق الأشياء التي لديك فعلاً، لا تعتقد أنه لا تملك شيئاً تفعله، ولا انه لا يمكن أن تفعل هذا هنا لأنك فقط غير معتاد على ذلك! عدم اعتيادك لا يعني عدم فعله. مافعلته في مكان ما سابقاً يمكن ان تفعله في مكان آخر لاحقاً أيضاً. الكل يستطيع اختلاق الأعذار حتى لا يفعل شيء محدد. ولكن من سيبادر بالفعل فعلاً ولايفكر في الأعذار ويواجه نفسه!
حياة المنزل والعمل ليست سيئة ولكن ليست كل شيء، هاتفك ضروري ولكنه غير كافي، غرفتك جميلة ولكنها ليست للجلوس فيها ٢٤/٧، أصدقاءك قد يكونوا رائعين ولكن ليسوا الأشخاص اللذين ستتعلم منهم شيئاً جديداً في كل مرة تقابلهم. العالم كبير جداً ويسع الجميع، والناس كثيرون جداً لنتعرف عليهم ونتكتسب تجاربهم وخبراتهم في الحياة، لذلك اخرج وشوف العالم بنظرة مختلفة واملئ يومك بأشياء بسيطة تسعدك فعلاً! كنّ سعيداً لأن اليوم خير ورق وبركة لك.
نتابع! مع الأيام اكتشفت انني أحب الطبخ،  لذلك قررت أن اعمل وجبات صغيرة وبسيطة للعمل والخروج بدلاً من المطاعم، وفرت الكثييييير بشكل غير متوقع، فعلاً، الأمر فرق في صحتي وبشرتي ونفسيتي وصحتي، أصبحت أشارك الطبخ وأقرر أن اطبخ أشياء بسيطة، الحديقة مكان لطيف للجلوس والأكل والحديث وتأمل الحياة والناس والمدينة. كما آحب المشي، لذلك قررت أن أذهب للعمل إما بالدراجة أو امشي، في الحقيقة قطعت شوطاً كبيراً، مع الأيام أصبحت أرى الأمور من زاوية مختلفة، توقفت عن التذمر بشأن أمور لم اتخذ قراراً بتغيرها وتأقلمت، ولا بأس الأمر ليس بذلك السوء. أصبحت استمتع بالأجواء وألقي السلام على المارّة من الناس، الماشي والواقف والكبير والصغير والعربي وغيره وابتسم (تصنع يومي فعلاً)!

الكتابة من الأشياء التي تركت نفسي فيها، وبدأت اتعرف على نفسي من خلالها، وأنا اكتب صفحات الصباح الي اتكلمت عنها نوف حكيم، ساعدتني أوجه طاقتي وأكتب أفكاري وأضبطها وأعرف مالذي يجب عليّ قوله وكيف ولمَ وكيف وغير ذلك. تعلّمت فعلاً طريق فكري، وأوقات الذي اكتبه يكون هو الكلام الذي ربما احتاج قراءته أو سماعه هذه الفترة، اكتب فرحتي وحزني وأسبابي وأواجه نفسي بدون خوف! اضحك وابكي أحياناً واستمتع بكل شعور يراودني مع القلم.

لا اعلّم ماهو المفعول الموجود في الموسيقى ولكن آمن أنها سبب كبير لجلب السعادة والبهجة، أحب تلك اللحظة التي تشتغل فيه كل حواسي في وقت واحد، أشاهد وأتأمل، واستمع لمعزوفة جميلة جداً، واستطيع مع الألحان ابتسم واجري او امشي بهدوء واجلس واتأمل كذلك! لدي قائمة بأغاني الصباح، التي تجعلني فعلاً ابتسم في الصبح واكمل اليوم بكل حماس واقول بداية جديدة ويوم جديد وخير جديد، أحد الأغاني التي تركت فيني شعور بهجة لطيف هي "في مكان بعيد وهادي" أحب اسمعها تحت المطر بالدراجة، شعور عظيم💙

في يومك ستصادف الكثير من الناس، الكثير فعلاً دون أن تشعر، في كل شخص تصادفه يصنع في حياتك فرقاً كبيراً ربما! أحد الأشياء التي تعلمتها عندما عملت كباريستا هي أنني ربما الشخص الذي يصنع أحدهم بقهوة وابتسامة! تقدير الناس بنظرة وأول لقاء من الأشياء التي تغير فعلاً من نظرتنا اتجاه الاشخاص وكسر حاجز الخوف والخجل منهم. في حياتك اللطف يحيط بك، لطف الله، الناس اللطيفة، أقدار الله اللطيفة، اسمح للطف ان يدخل حياتك واستمتع به .

في محاولاتنا الكثيرة لفهم الحياة وربما لغز الحياة الذي لا إجابة له سوى السعي يوماً بعد يوم، في كل مرة اسأل نفسي مالذي استطيع تقديمه للعالم! ماهو الخير المدفون الذي سأحيه! ما هو الشيء الذي يسعدك اليوم! الأمس! أو ربما غداً! ما هي الإضافة التي ستضيفها لنفسك؟ للعالم؟ الله أكرمنا بـ٢٤ ساعة جديدة، طاقة جديدة، يوم جديد وخير جديد. كي تملئ نفسك وحياتك تجارب ومعرفك وخير.

تقدير الحياة يبدأ من تقديرنا لنفسنا، لدينا حياة طويلة عريضة مليئة بالمعرفة والتجارب والناس، العالم فيه قرابة ٨ مليار بني آدم! عدد كبير من الناس والأفكار والاختلاف والتجارب والقصص، لنجرب ونعيش ونصنع ونعيش قصص كل يوم ونحكي ونعطي الاجيال التي بعدنا، إنت يومك!
في اليوم الذي كنت أقول أن التاريخ يتغير كي نعيش يوم مختلف وغير مو مثل الذي قبله، كيف استطعت أن تملئ يومك! "أتمنى لمن اقابل الله سبحانه وتعالى اقله الحمدلك والشكر لك على الحياة الي اعطيتني هي، على الفرص والارزاق الي عندي واستغليتها بالخير، على نظام الحياة الي رزقتني البصيرة اختاره💚"

ربما الحياة لم تكن بذلك الجمال (ربما) ولكن هذا لا يعنني أنني لا استحق أن اعيش حياة عادلة، أن اعيش حياة تستحق ومليئة بي وبتجاربي. ربما لست سعيدة وهذا ليس مهم حقاً وأعلم جداً أن السعادة شعور لحظي على الأقل بالنسبة لي، ولكن أطلب الرضا والمعرفة والمغامرة وأن أكون راضية بكل ماقدمته لهذه الحياة وأكون فعلاً قدّرت الحياة بقدرها ونفسي ورسالتي للأرض.

تعليقات

  1. كلام جدا جميل وعميق استفدت من كلامك وتجاربك ، الله يحفظك ويسعدك

    ردحذف

إرسال تعليق