الطريق إلى الجبال

استيقظت في أحد الايام في برلين اتأمل حياتي، قررت في ذلك اليوم صباحاً أنني سوف أتسلق جبل مونت روزا Mont Rosa، ويعتبر ثاني أعلى قمة في أوروبا، ولكن هذه المرة بالصندل، وباقل معدات ممكنة، فكان في حقيبتي (تمر وجزر وشاي، خيمة وحقيبة نوم وجاكيت) لاعتقادي أنني كنت أسبح في ثلوج المانيا في عزّ الشتاء تحت درجة حرارة سالب ٧ درجة، فتسلق الجبال بالصندل لن يكون معضلة، فانا لا افكر كثيراً باجمل الخيارات ولكن أسوئها حتى أخذ احتياطاتي عند السفر. اخذت حقيبتي وودعت صديقتي ولكن لم يكن وداعاً مخيفاً كنت أعلم أنني سأعود ولكن خوفها جعلني أفكر مرتين؛ قلت لها: "لونا هذا رقم أهلي، عائلتي واصدقائي هنا. وهذا رقم اصدقائي في برلين الذين يعرفون عائلتي." لم يحدث هذا من قبل، على كثرة ترحالي لم افكر يوماً في ان الموت هو اسوأ احتمال، حقيقةً لم يخطر ببالي ابداً. كنت اخذ نفسي وانطلق بدون تفكير إلى أين ستكون الوجهة اليوم؟ أين سأنام؟ ماذا سأكل! هذا بالنسلة لي يعتبر قلق صغير مختلف عن قلق المدينة. ولم يكن في الحسبان أنني لن أعود، لا أعلم لماذا ولكن هذه المرة كانت مختلفة!

بعد استضافة العديد من الأشخاص الملهمين ومنهم اثنان سافروا حول العالم بطريقة الهيتشهايكينق Hitchhiking او كما يسمونها عندنا (وصلني معك) فكرتها باختصار أن تقف في مكان تراك فيه السيارات أو تكون في محطات البنزين تبادر وتسأل (الى اين ذاهب؟ هل من الممكن أن آتي معك؟) وطبعاً هذه الحركة تعتبر خطيرة خاصة للسيدات اللاتي يسافرون وحدهن، وبالرغم من تجاربي التي لم تضبط معي مسبقاً، قررت بالتجربة من جديد(فمصيرها تضبط كما يقول حاتم نجار)، أخذت نفسي إلى حدود برلين، حيث السيارات تمرّ من هناك باستمرار، وقفت واسأل كل من هبّ ودبّ. اين وجهتك؟ هل يمكنني السير معك؟ اود الذهاب الى سويسرا، والكل كان يرفض باستمرار وأن طريقهم مختلف. حتى توقف شخص وسيارته مليئة بمواد البناء، اخبرته ان لدي تمر لاشاركه، قال لي انه سيذهب للمدينة القادمة ويمكن أن يضعني على طريقه في محطة البنزين القادمة، لم تكن فكرة سيئة، فهو من سكان برلين ومؤلف موسيقي وايضاً فنان، أنزلني في محطة المدينة القادمة، توقفت لأسأل كل الناس وبعد عشرون دقيقة وجدت شخصاً ونظراتي له كانت كأنه هو الشخص الذي سوف يساعدني في الطريق، وفعلاً ضحك وقال لي انه يوم حظي السعيد، فهو وعائلته يعيشان عند حدود سويسرا، اختصر عليّ ٧٠٠كم في اليوم. هو من غانا عاش ١٥ سنة في ليبيا وأخبرني بحبه الشديد لليبيا، لم اصادف شخصاً عاش في أماكن كثيرة مختلفة حسب قصته وليبيا المكان الوحيد الذي يودّ أن يعود للعيش هناك. كانت هناك قصص كثيرة خلال هذه الرحلة، لا انسى الحكم التي تعلمتها منه، والأشياء التي تعلمتها من هذا الشخص.

وصلت حدود سويسرا واستمرت رحلتي حتى وصلت الى زيوريخ في سويسرا، عند عائلة هندية اوكرانية، كان الأب والأم التقوا قبل ١٠ سنوات من خلال كاوتش سيرفينج، وبعدها تزوجا بعد سنوات من لقاءهم، لديهم طفلتين مارية وصوفية، تجيدان الانجليزية، الهندية، الروسية، الأوكرانية وايضاً الألمانية. كان من العجيب أن تكون طفلة ذو ٤ سنوات تجيد كل هذه اللغات، وحين تتحدث مع والدتها وفجأة مع والدها وكل ساعة لغة مختلفة، عجيب جداً. طبخت لهم بعض الاطباق الشعبية التي تعلمتها خلال غربتي، كبسة بالخضار، معصوب وشاي عدني، وراقت لهم جداً، بعدها اوصلتني الام للطريق السريع بعد أن أعطتني بعض الأوراق لأكتب فيها وجهتي القادمة، تساعد الناس على التوقف مبكراً.

بعدها وصلت في مدينة بالقرب من وجهتي الاخيرة، قابلتي سيدة ودون أن تتحدث نزلت من سيارتها حاملةً حقيبتي وادخلتني، وبدأت بالصراخ! كانت تقول السيارة وتمسح دموعها وتتحدث بالسويسرية الالمانية ولم افهم شيئاً مطلقاً. صمت لوهلة ومن ثم اخبرتها ان كانت تتحدث الانجليزية او الالمانية الاصلية، بدأت تقول لي وهي تعاتب؛ كيف لكِ ان تكوني في الطريق لوحدك، انه خطر، انتي فتاة وأنا لدي ابنة، سوف اجن ان كانت تسافر هكذا وحدها. هل انتي بخير؟ لديكِ مال؟ انتي جائعة! أكيد جائعة! ضحكت بلطف على لطفها فلم أقابل في حياتي احداً من أوروبا يخاف عليّ هكذا. اخبرتها ان لدي المال لأخذ قطار ان اردت ولكنني اخترت المغامرة، و لست جائعة ولكن استطيع الاكل. اخذتني لمنزلها، وقالت تود ان اتعرف على عائلتها، سألتني إن كنت أشعر بالراحة في بطني لأذهب معها فكما تعلمت في مغامراتي، البطن هي مفتاح الراحة ومعرفة مشاعرنا، كانت في قمة اللطف، لم أتردد في قول لا، صمت وقلت لها اكيد، وماهي المغامرة ان اردت ان اكون في دائرة الراحة فقط. وصلت منزلها الكبير جداً ماشاء الله، وهو يعجّ بالكثير من الخضار في كل مكان، والكثير من البيض والدجاج والحيوانات. صعدت للأعلى لأجد منظر خلاب في هذا المكان الصغير، هل هو حقيقة! أحد منازل سويسرا؟ واو! اخبرتني ان لديها لحم من الامس للغداء وأطفالها سيأتون قريباً من المدرسة؛ صمت وقلت لها اني نباتية، لو اردتيِ استطيع ان اطبخ لكم شكشوكة؛ وهي وجبة عربية من بيض وبصل وطماطم وبعض البهارات. وصلت عائلتها وابنتها تنظر لي باستغراب وحماس شديدين، تسألني من أنا؟ ثم أجابت أمها؛ هل تتذكرين حوار امس؛ ماذا لو اتى شخصاً غريباً للمنزل؟ هذه هي غريبة اليوم، ستكون صديقتنا من اليوم فصاعداً. اتت ابنتها تحضنني واخذت بيدي لغرفتها، وفي عينيها الحماس، صديقة جديدة! هذه العابي، وهذه غرفتي، وهذه صوري، وهذه مدرستي وهذه كتبي. ان لم تناديها والدتها للطعام لقضيت الوقت كله وهي تريني عالمها المليء بكل ماتحب.

اعطتني والدتها حقيبة صنعتها يدوياً، وبوست كارد وصورة تذكارية لنا، كانت من أجمل الوقفات التي وقفتها. أخذتني للطريق وهي تدعي لي وتساعدني، لم تغادر حتى وجدت سيارة اخرى تأخذني وحدثت الشخص أن يحفظني. رأيت فيها اسم الله الحافظ، يتمثل في هذه المرأة اللطيفة جداً.

وصلت دون ان استقل لاي حافلة ولا مقصورة ولا قطار ولا طائرة، فقط عن طريق وصلني معاك، تعرفت على قصص كثيرة وشخصيات عديدة ومنهم لازلنا اصدقاء حتى اليوم. كانت ايام طويلة ومتعبة رغم المغامرة.

وصلت الجبل وهنا قصة اخرى في المدونة القادمة ...


تعليقات